المتابع لطبيعه العلاقة بين مجلس الأمة و الحكومة لا يمكنه ان يغفل وجود حلقة مفقودة بينهما و التي انعكست فجوتها على الاستقرار السياسي و الاقتصادي و تعليق كافه مشاريع التنمية الى اجل غير مسمى .
ماعايشناه من بدايات الحياه النيابية في الكويت الى اليوم من متناقضات و اختلافات تجعل البعض اليوم يصعد الرأي لأجهاض الحياه البرلمانية هو محصله واقعيه و غير مستغربة من طبيعه العلاقات التي تربط مثلث السلطة , من مؤسسة الحكم و المجلس التشريعي و الحكومة .
فا بالنظر الى الخط البياني المتعرج لمسار الحياه النيابية منذ نشأتها الى اليوم و على امتداد اكثر من اربعين عام نجد الأرتداد عن النهج الديمقراطي كان حاضر و بقوة , من حل موسمي لمجلس الأمة و تعليق مواد الدستور الى تزوير أرادة الشعب كما حدث في سنة 67.
وما حدث خلال فترات غياب مجلس الأمة من مراسيم و محاولات عبث تكرس الردة على المكتسبات الدستورية و التضيق على الحريات العامة من التحالف مع القوى الدينية المهادنة للسلطة في نهاية السبعينيات و صبغ الأعلام الرسمي المجلس التشريعي و القوى الوطنية حينذاك بلون يساري الحادي أستجداء لعواطف المواطنين المحافظة -بطيعتها- للتنفير منهم و من الممارسة الديمقراطية ككل.
و مرورا بتفصيل الدوائر في اوائل الثمانينات على مقاسات قبلية و طائفية و انشاء المجلس الوطني سيء
الذكر و ايضا ما عاصرناه بتسعينيات من فتح باب خزينة الدولة للتدخل في الأنتخابات و غيره الكثير من المواقف السلبيه المناقضه للممارسة الديمقراطيه .
كل هذه الدلائل التاريخية تولد لنا شعور بعدم ارتياح مؤسسه الحكم للممارسة الديمقراطية التي بدت جلية بمحاولاتها السابقة . (ولفهم هذه النقطة اكثر يرجى الرجوع الى التغيرات الأقليمية في المنطقة في الخمسينات و اوائل الستينات لفهم الظروف و الملابسات التي دفعت بالأساس الى اللجوء الى التجربة النيابية بالكويت )
و في ملعب المجلس و الحكومة يبدي التناقض جلياً , فما نسمعه هو حوار طرشان بين طبقتين تطرحان رأيهما من مستوى متباين , كلُ يتكلم بصوت عالي من غير محاولة لسمع الطرف الأخر و ايجاد أرضية مشتركة للخطاب السياسي .
و البحث عن عن الفجوة هنا يتطلب فتح الأعين جيدا و عدم النظر الى جزء من الصورة و اغفال الصورة كاملة .
فما يوجد لدينا هي ديمقراطية -ورقية- تدور في حلقة مفرغه حول نفسها فلا مشاريع تنموية و لا تعزيز للحريات او حتى الدفع بأصلاحات اقتصادية بسيطة .
فما نعانية من مشاكل تنموية سواء أسكان صحه تعليم قبل ثلاثين سنة لا تزال معلقه , قطار الحريات العامة يتجه الى منزلق خطير -و ما لجنة الظواهر السلبية ببعيده- ,الحكومة تتجة الى الاقتصاد الحر و المضي نحو تحويل البلد مركز مالي في حين تغيب الشفافية التي يستند اليها الاقتصاد الحر و يقبع البلد بفساد أداري رهيب .
بيت الداء برأيي و مكمن حوار الطرشان هو عدم وجود ديمقراطية حقيقة كالتي تعارف عليها العالم الحر .
في ظل انعدام الحوار بين السلطات و غياب الرؤية المشتركة بينهما , تبرز الحاجة الى حكومة ذات اغلبية نيابية-حزبيه- منسجمه مع توجهات المجلس.
و اقصد هنا ضروره وجود أحزاب تأتي بمشروع سياسي اقتصادي متكامل , احزاب تعبر عن فكر و اعتقاد و ميول الشعب تفرزها صناديق الاقتراع و تشكل حكومة متجانسه متضامنه المسؤليه –لا يهرب وزرائها الى حمامات المجلس اثناء التصويت على القرارات المصيرية- و بأمكان المواطن البسيط محاسبتها وأسقاطها ان لم يرضي عنها بعد انتهاء دورتها الأنتخابية.
هذا ما يصطلح عليه بالدول المتقدمة بتداول السلطة و هو ضرورة اساسية مترادفه للأحزاب السياسية تسقط الديمقراطية بدونهما و لا تكون انذاك الا مبنى انيق يطل شارع الخليج العربي .
اعلم ان ما اطرحه قد يعتبره البعض استباق للوقت او تنظير على الورق فقط ,
ولكي اوفر على القارئ التساؤل بالتشكيك بجدوى قيام الأحزاب هنا و الأتعاض من فشل بعض تجاربها في كثير من الدول العربية ذات الصبغة الدكتاتورية او الطائفية .
فالجواب بايجاز : بدون ايمان مؤسسة الحكم بتمهيد الطريق نحو الديمقراطية و بدون وعي الشعب بحقه الطبيعي بالحرية لن تكون لدينا ديمقراطيه حقيقة (سأفرد مقال بهذه الجزئيه ان اقتضى الأمر)
لكن ذلك لا يعني بتاتا التخلي عن هذا المبدأ و البدأ على الأقل بالتوعيه و نشر مبادئ الديمقراطيه كما عرفها جان جاك روسو و ليست ديمقراطية جاسم الخرافي و خلف دميثير!
و الرأي الأن لكم , الخروج من الحلقة او استمرار الدوران فيها ؟
* الصورة من كتاب الكويت: الرأي الأخر د.عبدالله النفيسي- لندن 1978